16 أكتوبر 2014

شمشون




احداث هذه القصة تدور في القرن ال12 ق.م. كانت ولادته معجزية فقد كانت امه عاقرا. استجاب الله صلوات والديه و اعطاهم نسلا. لقد ارسل الله ملاكا الى والديه ليعلمهم انهما سيلدان ابنا سيخلص اسرائيل من يد الفلسطينيين. و اعطاهم كذلك تعليمات في كيفية معاملة الطفل لانه سيكون نذيرا للرب. و كان علامة هذا النذر هو عدم قص شعره، و عدم شرب الخمر. لقد اعطى الله شمشون قوة خارقة يستخدمها لرفع ظلم الفلسطينيين عن شعبه. ستلازمه هذه القوة شرط ان يحتفظ بنذره.

في ذلك الوقت كان الشعبان الفلسطيني والاسرائيلي يعيشين معا. كانت السيادة للفلسطينيين وكثيرا ما تعرض الاسرائيليون للظلم على يديهم، ولكن هذا لم يمنع من زواج بعض الاسرائيليون من الفلسطينيات ، و كذلك وجود صداقات بين الطرفين. لكن كان هناك امر سئ وهو انتشار الميليشيات المسلحة الفلسطينية الذين يعتدون على القرى الاسرائيلية و ينهبونها و يقتلون اهلها، كما يعتدون ايضا على القرى الفلسطينية في حالات الانتقام والثأر. تزوج شمشون من فتاة فلسطينية قتلت في احد هذه الاعتداءات.
-1-
احد اصدقاء شمشون الفلسطينيين (امروك). جاء في ذلك اليوم وهو يهرول ويصيح: 
- "شمشون.. شمشون.. يا صديقي العزيز! لقد افتقدتك كثيرا!"
وتعانقا الاثنان عناقا حارا 
قال شمشون: وانا ايضا يا امروك، يا صديقي العزيز. لقد اشتقت اليك كثيرا.
بدأ امروك يتابع كلامه ويقص عليه ما حدث وهو في غاية الغضب و الانفعال: 
"لقد قتلوا جميعا. لقد اخذوهم من (غزة). لقد  احاطوا بهم واوقعوهم في كمين ولم يكن هناك متسع من الوقت للهرب.. لقد قتلوا جيراننا ايضا. لقد اخذوا زوجتك وضربوها واخذوا ابي ايضا.. لقد قتلوا جميعا ماعدا انا.. لم يكن بمقدوري ان افعل شيئا يا شمشون. وظللت هناك اراقب قائدهم و هو يضحك". 
سأل شمشون في لهفة: من كان قائدهم يا امروك؟
-   - "الرجل ذو الندبة. اسمه (ماهال).. هل هذا خطأي يا شمشون؟"
تنهد تنهدا عميقا ثم قال: 
- لا. ليس خطأك.
-   - ولكن انا الذي احضرك الى غزة وساعدتك على الزواج منها!
قال وهو يفرك يديه: "لقد كنت احبها يا امروك.. لم يكن هذا خطأك".. حدّق ببصره في النار التي امامه للحظات، ثم امسك القدح والقاه الى النار المستعرة وكأنها صورة لنار الحقد والرغبة في الانتقام التي تستعر داخله.. 
بعد عدة ايام دعا شمشون صديقه امروك للرجوع معه الى اسرائيل ولكنه رفض. ومن ثم عاد شمشون الى ارض اسرائيل حيث مازال اهله غاضبين منه بسبب زواجه من فتاة فلسطينية. لم يعد اهله مهتمين يرغبون في الثورة ضد الفلسطينيين، مع انهم يضمرون العداوة لهم.
حين وصل على حدود قريته، وجدهم وقد تجمعوا حوله فصاح بهم وهو يعتلي ظهر فرسه: دعوني اجتاز الطريق. لكن احد الصبية رماه بحجر من المقلاع فأصاب رأسه. وضع شمشون يده و تحسس مكان الضربة ثم سألهم في دهشة:
-          لماذا كل هذا ؟ هل تسببت لكم في اذى؟
-          نحن لا نريد ان نفقد حياتنا وبيوتنا و محاصيلنا بسبب الغضب الذي داخلك.
رد عليهم بابتسامة ساخرة حزينة: خذوني اذا. لقد ذهب الغضب عني. هيا اخذوني . امسكوا بي لكي تضربوني. لم اتغير و لكنكم تغيرتم. نعم انني اريد ان انتقم بسبب الخيانة التي حدثت لي. و سوف احصل على الانتقام ولكنكم خدعتموني بسبب خوفكم على انفسكم مما سيحدث لكم. لقد طلبتم مني ان اتولى قيادتكم في الحرب. و كنت اعتقد وقتها ان الحرب جنون و مذابح. و لكني اعتقد ان الحرب ابشع من ذلك. ولكني سأذهب الان لانكم لستم بحاجة الي .. حتى تتخلصوا من غضبي و كراهيي .. وقد فاه بكل هذه الكلمات دفعة واحدة من غمرة انفعاله وغضبه الشديدان.
عاد شمشون الى منزله و اخفى في صدره الانتقام. لقد شاء الله ان يعيده الى منزله لأن والده منوح قد اوشك على الموت. حين دخل الى البيت وجد اباه مضطجعا على فراشه وهو في نزعه الاخير. حين ابصره قال بصوت متهدج: ابني الحبيب شمشون. هيا اقترب الي اباك الشيخ وقبلني قبلة الوداع.
قبل شمششون اباه وهو يقول بلهجة تفيض بالشوق: نعم يا ابي.
وضع اباه يده على وجهه الذي لم يبصره لسنوات عدة، هي سنوات اقامته في غزة، ثم قال بصوت متهدج: لقد رأيتك و انت كعهدك دائما لم تتغير.
اجابه شمشون: اعلم ذلك يا ابي. تابع اباه كلماته بصوت متمهل: انك ستبقى دائما على عهدك مع الله. الله الذي وهبك العديد من النعم. لم ينتهي الامر عند هذا الحد.. ثم امسك عن الكلام ولفظ انفاسه الاخيرة.
وضع شمشون يده على وجه اباه واغمض عيناه. وحين سمع الخبر تجمع اهل القرية حول المنزل. وراحت نساء القرية يندبنه وهن ينتحبن. ثم انشد الجميع مزمور (الراعي الصالح) فيما هم ينقلون جثمان منوح الى القبر. كانت كلمات المزمور تقول:
ان سرت في وادي ظل الموت،
لا اخاف شرا لانك انت معي.
عصاك و عكازك يهديانني.
مسحت بالدهن رأسي وكأسك روتني صرفا.
وصلوا اخيرا الى المقابر خارج القرية فتوقفوا عن الانشاد للحظات. خيل اليهم خلالها وكأن وقع ارجلهم وصريف الريح حولهم ترجع صدى ما كانوا ينشدونه. وافسح الكل لشمشون و هو يقترب من جثمان اباه قبل وضعه في القبر. ردد بصوت عال وهو يرى التابوت ينزل الى باطن الارض: للرب الارض و ملؤها. المسكونة وكل السكان فيها. ثم بدأوا يهيلون التراب على جسده وهم يرتلون نشيد (الارواح البارة) تلاه نشيد اخر هو نشيد (الذكرى الخالدة).
مضت ايام الحزن ولم يعد شمشون يبكي اباه. و لكن في الوقت المناسب ستصبح دموعه بمثابة الخلاص لشعب اسرائيل. وفي الايام التالية نسى شمشون انتقامه بعض الوقت. و اصبح شغله الشاغل مصلحة شعب اسرائيل. واصبح حاكم وواعظ وقاضي شعبه. و ساعدهم في النصح والخير و الارشاد. واصبح مثلما كان يحلم ابيه ودعى الله لكي يحقق له ذلك.
***
اقترب منه يورام ابن عمه وامسك كتفيه بكلتا يديه وثبت عينيه المتقدتين بعينيه وقال له: هل ستبقى معنا؟
- لقد قال لي والدي قبل ان يموت بأنني لو بقيت معكم فلن يهاجمكم الفلسطينيين.
وعاد يقول: لقد هددنا الفلسطينيون بأنهم سوف يحرقون المحاصيل. على الرغم انني اعتقد انهم لن يفعلوا ذلك لانهم يعتمدون عليها في غذاءهم. في الغالب سوف ينهبوننا في موسم الحصاد. هل سيجعلون بأفعالهم هذه شعبنا يهب ثائرا لكي يحاربهم؟ وتابع يقول بتوسل ورجاء: شمشون. من فضلك ابق معنا.
- تأثر شمشون وهو يصغي باهتمام لكلام ابن عمه، ثم قال له: حسنا. سوف ابقى هنا حتى تدور العجلة ثانية.
في تلك الليلة تحلق الاولاد حول شمشون، فراح يداعبهم و يحادثهم. ابتسم وهو يسألهم قائلا: ما هي القوة؟ ثم امسك بيده حجر و سحقه وتابع كلامه: لقد تحول الحجر من شكله الطبيعي الى تراب. و لكن ما سبب هذا التغير؟.. هذا التحول الكبير هو ما يطلبه منكم الله. الاخلاص هو القوة الحقيقية. وهذا يعتمد على ايمانك بالله و ارادتك القوية. و هذا كله يؤدي الى الشجاعة و الشجاعة تؤدي الى القوة.
-2-
كانا يتبارزان و راح زعيم الفلسطينين يقول لزوجته: ابني لديه العديد من الاصدقاء و المعجبين. اتمنى ان اصبح واحدا منهم
-          عندما تمنعه من القبض على شمشون ستوفر لنفسك الثمن الذي يحصل عليه منك.
-          شمشون لم ينتهي و لكنه تراجع قليلا لكي يستعد للتحرك القادم.
-          لقد قال انه سوف يعلمنا كيف نزرع الحقول
-          في رأيي ان شمشون لم ينتهي ولذا تجدي ابني يستعد له. انه يستعد للقبض عليه وارى انه على حق و انا معجب بذلك.
***
راح الشيخ يقول لحفيده الصغير و هما يسيران:
كل ما يطلبه الله منا هو ان ننفذ تعاليمه. و لقد مضيت نصف حياتي و لم اسمع بعد تعاليم الله. و لكنى ادركت الان ان كلام الله يمكن ان نسمعه داخل قلوبنا، وداخل عقولنا ايضا. لأن نعم الله وحبه لنا من الصعب ان ندركهما بعقولنا المحدودة.
لقد جعل شمشون شعبه يعيش في سلام لفترة من الوقت، و لكن جراحه لم تندمل و رغبته في الانتقام لم تنطفئ . وعرف جميع اهل مدينته بأنه راحل عنهم. في تلك الليلة كان شمشون جالسا امام النار و راح يتأمل في احداث حياته، ويعيد شريط ذكريات ماضيه. ولم يقطع تأملاته الا شمعون احد شيوخ مدينته الذي جاء وجلس جانبه وبادره بالقول:
-          ارجوك يا شمشون دعني اتحدث معك لعلني اجد شيئا يجعلك تغير رأيك.
-          لا يوجد شيئا يجعلني اغيّر رأيي. عندما يشعر المرء بالعطش فلابد ان يشرب، وانا اشعر بعطش قوي.
-          انك تشعر بعطش للانتقام، ولكن الله قد كلفك بمهمة. و لا يمكن ان تترك اهلك الان.
صمت الاثنان . وظلا صامتين دقيقة كاملة وهما يقفان ثابتين وابصارهما متلاقية. وفجأة امتقع وجه شمشون وعرته هزة وهو يقول: انني اتمنى ان يوفقني الله في الفترة القادمة. لقد قررت الرحيل.
قبض شمعون على كتف شمشون وقال بصوت اجش: و لكن الله قد قرر لك البقاء.
صمت شمشون هنيهة ثم قال باصرار: ولكنني مصمم على الرحيل.
فصاح منفعلا: اذن لقد خالفت تعاليم الله بالفعل.
لكن شمشون الذي قد استبدت به الرغبة في الانتقام لم يعبأ بكلام الشيخ ولم يجب عليه وادار وجهه وانطلق بخطى وئيدة الى مسكنه. لقد ذهب ليودع اهله. و في المنزل توسلت اليه والدته و الدموع تملأ عينيها قائلة: ارجوك ابق يا شمشون.
لكنه رفض توسلاتها و قال لها: لا يمكنني البقاء.
اجابته و ألم الفراق يحز في نفسها: انني قلقة عليك لانك ابني الوحيد الذي ادعو الله لاجله دائما.
-          سوف ارحل يا امي ولكنك ستبقي معي دائما في قلبي.
ولما لم تجد نتيجة لحديثها معه باركته قائلة: ليحمك الله و يرعاك.. الوداع يا بني.. ثم عانقته و قبلته قبلة الوداع.
ولحقت به ابنة عمه وهي تسأل في لهفة: شمشون اين تذهب؟
-          الى غزة.
وحركت يداها لتثنيه: لا يمكنك الذهاب الى هناك.
نظر اليها بعينيه المتعبتين وقال وهو يبعد يداها عنه: ينبغي ان اذهب . لدى مهمة هناك.
بحركة نزقة ارتمت عليه وقالت: لا يا شمشون .. لقد ماتت زوجتك وانتهى الامر. دع الانتقام جانبا .. لقد انتهى الامر. وراحت تتشبث به، و لكنه امسك بكتفيها و قال وهو يصرّ على اسنانه: لم ينتهى الامر بعد. اجابته: ولكنهم سيقتلونك. اخذ وجه شمشون ملامح الصلابة وهو يقول: فليكن. في هذه الحالة سيكون هذا هو قدري و نصيبي، وانا ذاهب اليه. غادر بخطى واسعة وهو يقول: انني ذاهب في سبيل الجميع. ينبغي لي ان اذهب وان اقبل قدري.
ودع شمشون جميع اقاربه الذين فارقوه كما يفارق من يمضي الى الموت. دخل الى غزة متسللا فقد تظاهر بأنه يعمل مع احد التجار. دخل الى بيت غانية ومكث النهار وجعل يرقب من خلف النافذة تحركات الفلسطيني ذو الندبة، حتى جاء الوقت الذي نهض فيه و اعترض طريقه .. امسك الفلسطيني سيفه ليقتله و لكن شمشون امسك يدهقبض بشدة على رأسه ووضع السيف على عنقه
صاح الفلسطيني: كان ينبغي ان تسمع صرخات اهل عشيرتك وهم تحت سيفي.
شمشون و هو يطعنه عدة طعنات قاتلة: سوف تظل تصرخ الى الابد. ثم تركه مضرجا في دمائه.
بعد لحظات ابصر جندي ما حدث لزميله فصاح برفاقه على باب المدينة و هو يحاول اللحاق بشمشون: امسكوا بشمشون!
"قوتي هبة و نعمة من الله". هكذا صاح شمشون وهو يدفع باب المدينة المغلق بقوة. انخلعت العارضتين وسقط الباب وسط ذهول الجنود واستطاع شمشون الهرب الى الجبل المقابل للمدينة.
أسرع احد الجنود بابلاغ القائد. فجاء يقول لاهثا: ايها الجنرال "تريك".. وراح يشهق ويزفر بسرعة.
صاح به القائد: التقط انفاسك ثم تكلم .. تحدث معي كما يتحدث الجنود.
تابع كلامه قائلا: شمشون هنا. لقد هرب من الجنود و قتل الجندي ذو الندبة.
سأله: هل امسكتم به؟ هز رأسه وقال: لا. لقد تمكن من الهرب. اسرع ليقول: وبوابة المدينة هل ما زالت مفتوحة؟
-          بوابة المدينة، لقد اغلقوها ولكنه حطمها وتمكن من الهرب. ان قوته لا مثيل لها!

نظر ساهما وبدا عليه التعجب الشديد.. لقد اذهله ان شمشون استطاع خلع باب المدينة.
واستطرد الجندي يقول:
- كثيرا ما سمعنا عنه من قصص تدعو للذهول.. في احد المرات قطع 7 اوتار طرية كان مربوطا بها، كانت تبدو وكأنه يط مشاقة مسته النار.. وفي مرة اخرة قتل الفين من جنودنا الابطال بفك حمار طري..

- كفي كفى!! يا لك من احمق حتى تملأ سمعي بهذه الاساطير.
في نفس اليوم ابلغ القائد حاكم غزة بما حدث. ثم ختم كلامه – وقد استبد به الغضب الشديد- قائلا: 
- لابد ان نخرس الالسنة قبل ان تنتشر القصة في كل ارجاء المدينة. لا اريده ان يضحك علينا طوال الوقت. لابد ان نرسل جيشا كاملا الى ارض اسرائيل و ليس جزءا من الجيش الى حدودهم. لابد ان نقضي عليهم جميعا يا سيدي.
رفع الحاكم يده كعلامة انه يعطي الامر وقال: ايها القائد فلتنشر الجيش كله من حدود فلسطين الى حدودنا في غزة.. لكن القائد قاطعه قائلا: لكن يا سيدي، لو هاجمنا الاسرائيليين سوف يهربون منا. فلندع خطوطهم الامامية تحاربنا ثم نلتقيهم فى الحقول و نقضي عليهم جميعا.
سأل الحاكم: وماذا عن شمشون؟
اجاب القائد: لا ينبغي ان نسمح له بقيادة جيش من الثوار. بدونه سنتمكن بسهولة من هزيمتهم، ولكنه يكون بمثابة العقل المدبر لهم و قائدهم عندما يتواجد معهم. لابد ان ندبر طريقة لنمنع تواجده معهم. لابد ان نتخلص منه اولا.
***
في اليوم التالي عقد اجتماع في القاعة الفسيحة الملحقة بمعبد داجون. ضم الاجتماع اقطاب (رؤساء) المدن الفلسطينية الخمسة وهي غزة وجت واشدود و عقرون واشقلون.
بدأ الاجتماع حاكم جت حيث قال ساخطا: لقد سمعنا عن قوة شمشون اخبارا مزعجة. يقال ان الهه قد وهبه هذه القوة.
اجاب حاكم غزة: انه مجرد جندي عادي. لقد وضعت خطة مع قائد الجيش تقتضي بأن نستدركهم الى الحقول و نقضي عليهم جميعا بما فيهم شمشون.
قال حاكم جت: خطتك لا ترتكز على الاسس العسكرية التي افضلها. نحن نثق ان شمشون يفضل نساء الفلسطسنيات عن الاسرائيليات و سيتقابل مع فتاة غريبة عنه و تلك ميزة تحسب لنا.
وقال حاكم عقرون: هذا مجرد تخمين . ما الذي يجعلك واثقا من ان شمشون سيبلع الطعم الذي نقدمه له؟
ساد الصمت هنيهة في القاعة. واذ كان حاكم غزة مستعدا بخطته في حال موافقة الاقطاب الاربعة الاخرون، أمر بادخال دليلة ثم اطلق ضحكة عالية و قال وقد التفت اليها ويلمّح الى جمال دليلة وفي نفس الوقت الى ما في مباهج الدنيا من اغراء: ألن تبلع الطعم لو قدمناه لك يا حاكم عقرون؟
قال حاكم غزة: 
- في الصيد هناك شئ  واحد اكيد. انه لا يمكنك ان تثق تماما في الشئ الذي تريد اصطياده. ثم التفت الى قائد جيشه وتابع: أليس كذلك ايها القائد؟ اجاب القائد على الفور: اوافقك تماما سيدي في هذا الرأي.
قال حاكم جت و هو يؤكد على خطة حاكم غزة: هناك طرق كثيرة للحد من خطورة عدونا. وليس هناك خطة في العالم ستؤدي الى القبض على العدو افضل من استغلال نقاط الضعف الخاصة به. ثم نظر الى دليلة موجها كلامه اليها: ستبلع السمكة الطعم، ولكن هل الطعم يهوى تلك السمكة؟ كشف تغر دليلة عن ابتسامة ماجنة وقالت: لي الفخر ان اخدم شعبي في مقابل بعض الاعتبارات المادية.
اغرق حاكم غزة في الضحك وتفرس في دليلة وقال: ان ولائك للعرش مصنوع من الفضة يا دليلة. هذا شئ لم يدهشني وكنت اتوقعه. كم تريدين من المال؟
اجابت بعد صمت قصير: 1000 درهم من كل شخص في هذه الغرفة. اي خمسة الاف درهم.

استطاعت دليلة ان تعرف سر قوة شمشون، وهو خصلات شعره السبعة. حلقت رأسه بموس. ومن تلك الحظة فارقه روح الرب، و سقط بيد اعدائه.

-3-
مربوط ويسير خلف عربة تجرها الخيل وهم يسيرون به في سوق غزة وحشود الفلسطينين تعلو منهم هتافات الفرح
احضروه في قفص حديدي الحرب التي نشبت مؤخرا مع شعبه امعانا في اذلاله..
سأل القائد دليلة: لماذا طلبت ان يحضروا شمشون الى هنا؟
ردت عليه بابتسامة ساخرة: لكي استمتع بمشاهدته و هو مقيد.
عاد يسأل: 
- الا يكفيك معاناته و عذابه؟
-   - على الباغي تدور الدوائر ايها القائد.
- لقد قلت لى هذه العبارة ذات مرة. 
- نعم قلت ذلك.
- متى قلت هذه العبارة؟
- قلتها حين اردت ان اتشفي في عذاب شخص ما.
- لم تحضرينه الى هنا لمجرد الاستمتاع برؤيته مقيدا.
- لا.
- لماذا احضرتيه اذن؟
- لانني على الرغم من خيانتي له ما زال ملكا لي.
- احقا؟ 
غادر وهو يقهقه عاليا.
-4-
دعا يورام اخاه يهوذا لزيارة شمشون و قال:
-   - انني وناعومي اختك ذاهبان لزيارة شمشون في السجن. هل ستأتي معنا؟
-   - كلا. انني لا ارثي لحاله على الاطلاق.
-  - ولم لا؟ فليرحمنا الله. أليس جميعنا نخطئ؟ ومهما كانت شناعة خطايانا فالله يقبل التوبة.
-   - على شمشون ان يحصد ثمرة افعاله. لقد كانت سبب نكبته امرأة احبها حبا عظيما. يا لها من امرأة شريرة! ان الشيطان وحده يعرف خصال المرأة الشريرة. لقد جنى على نفسه.
اخذ يورام يرقب اخاه بعين متفحصة، و هو يحاول ان يفهم سبب قسوة كلماته. لقد التبث الامر على يورام فقد راعه قسوة اخيه، وشعر بمثل طعنة تخترق فؤاده. حاول ان يلملم شتات خواطره وقال بصوت خائر متلعثم: 
- اسكت! كيف تتكلم هكذا؟! 
واذ اراد ان يضع حدا للحديث تابع كلامه قائلا: 
- هذا يكفي . على كل حال انني ذاهب اليه غدا.
ثم دار على عقبيه و غادر الغرفة في التو غاضبا.
كان الفلسطينيون قد قلعوا عينا شمشون. فحينما التقى يورام شمشون في السجن راعه ذلك، فقال وهو يعانقه: 
"يا الهي لماذا قدّر لك ان تتحمل هذا الشقاء؟!" وجالت الدموع في مآقيه.
غدا وجه شمشون مصفرا و شفتيه مرتجفتين وهو يقول: لقد ارتكبت خطايا عظيمة.. لقد خالفت تعاليم الله . كيف يمكن ان يغفر الله لي؟
-          رحمة الله وسعت كل شئ.
فقال شمشون بلهجة فيها مرارة: لكن عقابه أليم ايضا.
-          لقد كنت تبحث طول عمرك عن ارادة الله.
راح شمشون يهز رأسه هزا يعكس ما كان في قلبه من ألم و سخرية من نفسه ومضى يقول: لا. انني لم اكلف نفسي عناء البحث عنها يوما.
-          هل قررت ذلك بنفسك؟ ولكن الآن..
قاطعه شمشون: 
- الآن كل شئ مظلم في عيني.. الظلام يعم المكان. انني سجين الظلام. 
قطب جبينه وحاول ان يبلع ريقه وهو يتابع كلامه قائلا: 
- الشئ الوحيد الذي اراه الان هو تعاليم الله التي كسرتها.. 
هز رأسه وهو يتلمس يد صديقه:
- اتعرف شيئا يا يورام؟ انني اصبحت لا اخاف الالم مهما كانت شدته. لقد كنت فيما مضى اخافه، اما الآن فلا اخافه. كل ما اخشاه هو غضب يهوة.. ان الذي يقض مضجعي هو تفكيري الدائم انني اغضبت الله . ان ذلك وحده مصدر قلقي.
اجاب يورام:
- لكن الحياة حافلة بالدروس.
طأطأ شمشون رأسه مؤمّنا على كلامه: 
- نعم. وهناك حياة ايضا في جوف الارض. قد لا تصدق كم احب الحياة الان! كم انا ظمآن! كيف لهذه الجدران المهلكة ان تضمني للحياة وتجعلني استمع لصوت الله داخلي.
قطع حديثهما احد الجنود الفلسطينيون الذي دفع شمشون بعصا غليظة قائلا: قف على قدميك ايها الاسرائيلي.. ساعده يا فتى. هيا تحرك.. وفّر قوتك لعدوك. هلم جر الطاحون.

غادر يورام السجن، بينما راح شمشون يجر الطاحون و هو يرثي لحاله قائلا:
أنا الجبار أم شبحى ....................... أنا شمشون أم غيرى
اذا ما كنت شمشونا ...................... فأين جلالة القدر؟!
و أين اللحى فى كفى .................... وجيش هارب يجرى
و أين النور من عينى .................... و أين الطول من شعرى
حنانك يا رحى الطاحون ................... هل تدرين ما سرى
أجيبى اننى مصغ ......................... فقد حيرت فى أمرى
أنا الجبار أم شبحى ............ انا شمشون ام غيري؟
***
سألت ابنة عمه دليلة قائلة: هل انت امرأته لقد ظننت انك امرأته؟
-          لا انا المرأة التي وثق بها. ولكني ايضا اخر امرأة رآها في حياته.
-          أكنت تكرهينه الى هذا الحد؟
قالت منتشية: لقد جعلني اقبض الثمن غاليا.
-          هل كنت تكرهينه الى هذا الحد؟
ابتسمت بمرارة جلية وهي تقول: لقد اصبح خطرا حقيقيا علينا.
-          اذن كنت تضمرين له كراهية شديدة.
-          لا بل كنت احبه جدا.
قالت بحدة: ولكنك ساعدت في القبض عليه ايضا.. هذا ليس حبا! حقا، ثمة اناس تكون عداوتهم افضل من محبتهم!
ردت عليها دليلة بابتسامة فيها شيئا من المرح واندفعت تقول: وماذا عنك انت؟ هل كنت تحبينه؟
-          نعم كنت احبه منذ ان وقعت عيني عليه. وكنت على استعداد للتضحية بالرمق الاخير لاجله.
-          وهل كان يحبك؟
صمتت ناعومي ..
-           تعالي. سوف اعقد معك اتفاق صغير.. صفقة تبادل صغيرة.
***
صوت جلبة. صاح شمشون متسائلا: اين نحن؟ اين ستأخذوني؟
قال الجنود: الى القصر.. ثم قيدوه بسلاسل الى احد الاعمدة.. نادى شمشون على قريبه: يورام. اين انت؟
-          انا هنا بجوارك.
اذهب من هنا و الا لن احبك بعد الان.
-          يمكنني البقاء بجوارك.
بل انصرف بسرعة.. انصرف..
عندما اقتربت ناعومي من شمشون ورأت حاله وقد تبدل تماما، راحت تجهش بالبكاء. لقد اكتشفت الالم والشقاء الذى تردى اليه ابن عمها ومحبوبها. فاستحوذت عليها عاطفة جياشة غير محدودة. وشعرت بألم يقطع قلبها. لقد كانت تشتاق ان ترى شمشون و ها هي تراه ولكنه كان قد تغير كثيرا بسبب ما أصابه من ذل، مما انعكس على ملامحه و كلماته.
قال بصوت فيه رنة الحنو: ناعومي، لا تبكي!.. ثم وجه كلامه الى يورام قائلا: خذها معك يا يورام.
-          لا. ليس الان.. امهلنا لحظات قليلة من اجل هذه السنوات الطويلة. مجرد لحظات قليلة!
انصرف يورام وناعومي.. ثم بدأت طقوس الاحتفال العظيم بالنصر في معبد الاله داجون.. احضر شمشون ليستهزء به ويلعب امام الحاضرين.. بعد فترة تظاهر شمشون بالتعب وقال للغلام الماسك بيده دعني المس الاعمدة التي البيت قائم عليها لاستند عليها.. كان البيت مملؤا رجالا و نساء و كان هناك جميع اقطاب الفلسطينيين و على السطح نحو ثلاثة الاف رجل و امراة ينظرون لعب شمشون.
 دعا شمشون الرب و قال يا سيدي الرب اذكرني و شددني يا الله هذه المرة فقط فانتقم نقمة واحدة عن عيني من الفلسطينيين و قبض شمشون على العمودين المتوسطين اللذين كان البيت قائما عليهما و استند عليهما الواحد بيمينه و اخر بيساره .. "لتمت نفسي مع الفلسطينيين" هكذا قال و انحنى بقوة فسقط البيت على الاقطاب و على كل الشعب الذي فيه فكان الموتى الذين اماتهم في موته اكثر من الذين اماتهم في حياته.
==
الصور من موقع:
http://www.biblefunforkids.com