18 أكتوبر 2013

تُفَّاحٌ مِنْ ذَهَبٍ


يُشار بالذهب إلى العظمة والجلال (دا 2: 38؛ رؤ4: 4؛ 14: 14). وإلى كل ما هو رفيع القدر عظيم القيمة (أم3: 14؛ 8: 10،19؛ 16: 16؛ 25: 12). كما إلى الثبات والرسوخ (نش5: 11،14،15؛ أي23: 10؛ ملا3: 3؛ 1بط1: 7؛ رؤ3: 18). وكل هذه الصفات لا نجد اكتمالها إلا في شخص الرب يسوع المسيح.

والذهب يُشير أيضًا إلى لاهوت ربنا يسوع المسيح، وأيضًا إلى البر الإلهي كما هو ظاهر في غشاء التابوت وفي غطائه. فالتابوت من أوضح الرموز للرب يسوع المسيح، الله الظاهر في الجسد (يو1: 14؛ 1تي3: 16). لقد كان مصنوعًا من خشب السنط ومُغشّى بذهبٍ نقي من الداخل والخارج.

وخشب السنط هو الخشب الذي ينبت في البرية، وهو خشب غير قابل للفساد، لذا فهو رمز مناسب لناسوت الرب يسوع المسيح الكامل، فهو - تبارك اسمه - «لم يفعل خطية» و«لم يعرف خطية» و«ليس فيه خطية» (1بط2: 22؛ 2كو5: 21؛ 1يو3: 5) وهو - له كل المجد - «قدوس الله» (لو1: 35؛ 4: 34؛ مر1: 24) و«قُدُّوسٌ بلا شرٍّ ولا دنسٍٍ» (عب7: 26).

وشجر السنط يمكنه أن ينمو في تربة جافة جدًا، ولا تؤثر جدوبة الأرض في حجمه أو معدل نموه، وهذا يذكرنا بقول إشعياء النبي عن الرب يسوع المسيح: «نَبَتَ قُدَّامَهُ كَفَرْخٍ وَكَعِرْقٍ مِنْ أَرْضٍ يَابِسَةٍ» (إش 53: 2).
والذهب النقي يُشير إلى لاهوت المسيح - له كل المجد - واتحاد خشب السنط مع الذهب النقي في تركيب التابوت يُشير إلى اتحاد الطبيعتين الإلهية والإنسانية في شخصه الكريم، الذي هو الله الحقيقي والإنسان الحقيقي؛ الله في كل ما هو الله، والإنسان في كل ما هو الإنسان ما خلا الخطية.

«وَكَانَ الْكَلِمَةُ اللَّهَ» (يو1: 1) اللاهوت
«وَﭐلْكَلِمَةُ صَارَ جَسَدًا» (يو1: 14) الناسوت
«اللهُ ظَهَرَ فِي الْجَسَدِ» (1تي3: 16) اتحاد اللاهوت بالناسوت في ذاك الذي
«فِيهِ يَحِلُّ كُلُّ مِلْءِ اللاَّهُوتِ جَسَدِيّاً» (كو2: 9).

والكيفية التي بها يتحد اللاهوت بالناسوت في شخصه المجيد هي فوق إدراك عقول البشر «وَلَيْسَ أَحَدٌ يَعْرِفُ الاِبْنَ إِلاَّ الآبُ» (مت11: 27؛ لو10: 22)، ولكن لنا أن نؤمن ونتمسك بما أعلنه الله لنا في كلمته عن شخصه العجيب الذي صار إنسانًا وكفَّر عن الخطية على صليب الجلجثة، ومع ذلك ففي اتضاعه وصيرورته إنسانًا ظل هو هو الله. وحقًا إنه «عمانوئيل... الله معنا» (مت 1: 23)
في فاتحة العهد القديم نقرأ عن الإنسان الذي خُلق على صورة الله، وفي فاتحة العهد الجديد نقرأ عن الله آتيًا في صورة الإنسان. الخالق جاء على صورة المخلوق منه «اللهُ ظَهَرَ فِي الْجَسَدِ»؛ الله في وسط البشر! نعم، إن الابن المولود من العذراء، والذي قُمِّط واُضطجع في مذود هو في ذات الوقت «الله القدير... أبو الأبدية... رئيس السلام» (إش9: 6). والذي دُعي اسمه «يسوع» هو الله المخلص وحده، وهو موضوع إيماننا، وهو غرض تعبدنا.
فبحق إنه التُفَّاح مِنْ ذَهَب...


وهو مِثْلَ تُفَّاحٌ مِنْ ذَهَبٍ مُقَدَّمٌ في مَصُوغٍ مِنْ فِضَّةٍ:

الفضة تشير إلى الرب يسوع المسيح في قيمة فدائه وكفارته. فنحن نقرأ صريحًا في كلمة الله عن «فضة الفداء» (عد3: 46-51)، وعن «فضة الكفارة» (خر30: 11-16). وفي إشعياء 52: 3 نقرأ هذا القول: «هكذا قال الرب: مَجَّانًا بُعْتُمْ (أو بعتم أنفسكم)، وبلا فِضَّةٍ تُفَكُّونَ (أي تُفدون)». ويعقب هذا الأصحاح الثالث والخمسون الذي يصور لنا عبد يهوه المبارك متألمًا ومائتًا، جاعلاً نفسه ذبيحة إثمٍ. وفي 1بطرس1: 18-20 نقرأ القول المبارك: «عَالِمِينَ أَنَّكُمُ افْتُدِيتُمْ لاَ بِأَشْيَاءَ تَفْنَى، بِفِضَّةٍ أَوْ ذَهَبٍ ... بَلْ بِدَمٍ كَرِيمٍ، كَمَا مِنْ حَمَلٍ بِلاَ عَيْبٍ وَلاَ دَنَسٍ، دَمِ الْمَسِيحِ، مَعْرُوفاً سَابِقاً قَبْلَ تَأْسِيسِ الْعَالَمِ، وَلَكِنْ قَدْ أُظْهِرَ فِي الأَزْمِنَةِ الأَخِيرَةِ مِنْ أَجْلِكُمْ».

فيا لروعة الإعلان الكامل! «الكلمة» الأزلي في جوهر ذاته وفي جوهر لاهوته وفي علاقاته الأقنومية، لما جاء ملء الزمان، صار جسدًا، ليقوم بعمل الفداء للبشر الخطاة. نعم، الكلمة الأزلي، الخالق في بدء الخلق، هو الذي اتخذ ناسوتًا ليصنع الفداء في الزمان.
وهكذا فإن التُفَّاح مِنْ ذَهَب (الرب يسوع المسيح في مجده الإلهي)، قُدِّمَ إلينا في مَصُوغٍ من فِضّةٍ (الفداء والكفارة). لأنه عندما يرسل الله ابنه إلى هذا العالم، وعندما يضحي الآب بهذه التضحية الرائعة وهي السماح لابنه الحبيب الوحيد أن يأخذ صورتنا، ويشترك معنا في اللحم والدم، وعندما يقبل ربنا يسوع المسيح أن يأتي إلى عالمنا هذا، مُخليًا نفسه من هالة المجد، مستترًا في الناسوت الذي تهيأ له، وساترًا صورة الله تحت صورة العبد، فل يمكن أن يكون لهذا إلا غرض واحد وهو الفداء (غل3: 13،14؛ 4: 14،15)، ولا يمكن أن يكون لهذا إلا معنى واحد وهو الخلاص
(رو5: 9)، ولا يمكن أن يكون له إلا باعث واحد وهو محبة الله العجيبة الفائقة المعرفة (أف3: 19).

إن الله لكي يرسل إلينا رسالة القضاء والقصاص القريب الوقوع، ليس هو في حاجة لإرسال ابنه، أيّ ملاك كان يكفي لهذا العمل، وأيّ عبد يكفي لإعلان مثل هذه الرسالة. موسى كان يقدر أن ينطق بها (يو1: 17)، بل إن ضميرنا ذاته هو رسول كافٍ لمثل هذه المهمة (رو2: 15). ولكن، في ملء الزمان أرسل الله ابنه الكلمة المتجسدة، ليس ليُعلّم أو يعظ أو يعلن القضاء والدينونة، وليس ليأتي كما يأتي ملك لزيارة رعاياه في أكواخهم، ناطقًا لهم بكلمات رقيقة أو إنعامات ملكية، ثم يتركهم ناسيًا إياهم، كلا وألف كلا. الله أرسل ابنه ليخدم ويبذل نفسه فدية عن كثيرين (مت20: 28؛ 1تي2: 6؛ تي2: 14)، ولكي يطلُب ويُخلِّص ما قد هلك (لو19: 10)، ولكي ما يدعو الخطاة إلى التوبة (مت8: 13)، ولكي ما يأتي بأبناء كثيرين إلى المجد (عب2: 10)، ولكي ما تكون لنا الحياة الفُضلى (يو10: 10)، ولكي ما نستطيع الآن أن نذهب إلى العالم أجمع لننادي ببشارة الخلاص المفرحة للخليقة كلها (مر16: 15).

فيا ليت مجد الرب يسوع المسيح الإلهي (الذهب)، وكمال عمله الكفاري على الصليب (الفضة)، يكونان هما موضوع رسالتنا إلى العالم أجمع، ويا ليت لسان حال كل منا «لأَنِّي لَمْ أَعْزِمْ أَنْ أَعْرِفَ شَيْئاً بَيْنَكُمْ إِلاَّ يَسُوعَ الْمَسِيحَ وَإِيَّاهُ مَصْلُوباً» (1كو2: 2)؛ فتكون كلماتنا كلها مثل تُفَّاحٌ مِنْ ذَهَبٍ في مَصُوغٍ مِنْ فِضَّةٍ.

فايز فؤاد
منقول من منتدى  http://www.truth-way.net