6 أكتوبر 2013

"كالتفاح بين شجر الوعر كذلك حبيبي بين البنين"(نش2: 3)


إن هذا العالم بالنسبة للمؤمن كالقفر (البرية) أو الوعر (الغابة). والسياحة في هذا العالم شاقة لأنه «أرض قفر... خلاءٍ مستوحشٍ خرب»، بل إنه «القفر العظيم المخُوف، مكان حيَّاتٍ مُحرِقَةٍ وعقاربٍ وعطشٍ حيث ليس ماءٌ»، وهو أيضًا «أرض ناشفةٍ ويابسةٍ بلا ماءٍ» و«وادي البكاء» و«وادي ظل الموت» و«أرض الغربة والمذلة» و«البقاع» و«مكان التنانين».

وإن كانت توجد في هذا القفر أشجار فهي «شجر الوعر»؛ لا ظل مريح تحتها ولا ثمر فيه يُشتهى، فهي والعدم سواء. ولكن الرب يسوع الحبيب هو للمؤمن السائح في البرية «كَالتُّفَّاحِ بَيْنَ شَجَرِ الْوَعْرِ» (نش2: 3). فكما أن التفاح يمتاز في طبيعته عن شجر الوعر، هكذا شخص المسيح يمتاز في طبيعته عن كل البنين؛ أبناء الله بالإيمان. كما أنه يمتاز أيضًا عن كل البنين من الملائكة «بنو الله» أو «بنو العلي» بالخلق (أي1: 6،13؛ 38: 7).

لقد رآه الناس هنا، لما كان على الأرض سائرًا في هذا العالم، كعِرقٍ من أرض يابسة، لا صورة له ولا جمال (إش53: 2)، أما لعيون الإيمان فقد كان هذا الإنسان المتضع هو الوحيد الذي فيه يجد المؤمن كل ما يرجو وأكثر، ففيه كل الكفاية لشبع القلب وراحة الضمير. نعم «كَالتُّفَّاحِ بَيْنَ شَجَرِ الْوَعْرِ كَذَلِكَ حَبِيبِي بَيْنَ الْبَنِينَ. تَحْتَ ظِلِّهِ اشْتَهَيْتُ أَنْ أَجْلِسَ وَثَمَرَتُهُ حُلْوَةٌ لِحَلْقِي» (نش2: 3). وكلمة التفاح تعني هنا شجرة التفاح. والمسيح هو شجرة التفاح الحقيقي. وفي المسيح، كالتفاح، كل الكفاية للمسافر في البرية أو الوعر:
ففيه الظل الظليل، للراحة والحماية من الحرارة الحارقة..
وفيه الثمر الشهي المستديم، للشبع..
وفيه العصير الحلو، للارتواء..
وفيه أيضًا الرائحة العطرية للإنعاش،
لذلك فلا غرابة أن تقول العروس: «أَنْعِشُونِي بِالتُّفَّاحِ» (نش2: 5).

وفي وجودنا تحت ظله لا نجد اللذة والراحة والشبع والإرتواء والإنعاش فقط، بل نجد أيضًا الأمن والسلامة والحفظ المستمر أيضًا لأن «اَلسَّاكِنُ فِي سِتْرِ الْعَلِيِّ فِي ظِلِّ الْقَدِيرِ يَبِيتُ» (مز91: 1)، «وَيَكُونُ إِنْسَانٌ كَمَخْبَأٍ مِنَ الرِّيحِ وَسِتَارَةٍ مِنَ السَّيْلِ كَسَوَاقِي مَاءٍ فِي مَكَانٍ يَابِسٍ كَظِلِّ صَخْرَةٍ عَظِيمَةٍ فِي أَرْضٍ مُعْيِيَةٍ» (إش32: 2).

وإننا عندما نكون قريبين منه، جالسين تحت ظله، نتلذذ ونتغذى بالتأمل المستمر في حياة وصفات وسجايا وأعمال وأقوال الإنسان الكامل كما تعلنها لنا كلمة الله المكتوبة، عندئذٍ نستطيع أن نترنم بنغمة عالية وصادقة: « فِي أَرْضٍ نَاشِفَةٍ وَيَابِسَةٍ بِلاَ مَاءٍ ... شَفَتَايَ تُسَبِّحَانِكَ. هَكَذَا أُبَارِكُكَ فِي حَيَاتِي. بِاسْمِكَ أَرْفَعُ يَدَيَّ. 5كَمَا مِنْ شَحْمٍ وَدَسَمٍ تَشْبَعُ نَفْسِي وَبِشَفَتَيْ الاِبْتِهَاجِ يُسَبِّحُكَ فَمِي ... لأَنَّكَ كُنْتَ عَوْناً لِي وَبِظِلِّ جَنَاحَيْكَ أَبْتَهِجُ » (مز63: 1-7).
«تَحْتَ ظِلِّهِ اشْتَهَيْتُ أَنْ أَجْلِسَ وَثَمَرَتُهُ حُلْوَةٌ لِحَلْقِي» ... فكل من يقترب من الرب يسوع المسيح بالإيمان ويجلس عند قدميه وتحت ظله، تتساقط له كل ثمرات شجرة التفاح، أي كل البركات والامتيازات التي حصَّلها لنا بموته وفدائه. إنها عطاياه لنفوسنا؛ البركات الثمينة التي اشتراها لنا بدمه ومنحها لنا بروحه القدوس: غفران الخطايا.. التبرير.. الفداء.. المصالحة والسلام مع الله.. التقديس.. الولادة الجديدة.. الإحياء.. الخلاص.. عطية الروح القدس.. رجاء الحياة الأبدية وعربونها في الحياة الحاضرة.
أيها الأحباء: «ذُوقُوا وَانْظُرُوا مَا أَطْيَبَ الرَّبَّ! طُوبَى لِلرَّجُلِ الْمُتَوَكِّلِ عَلَيْهِ» (مز34: 8). ودعونا إذًا لا نشكو من أشواك البرية، ولا من حَيَّاتها المُحرِقَة وَعَقَارِبَها، ولا من حرارتها اللافحة ورمالها الساخنة؛ ففي وسط البرية، لنا شجرة التفاح، والمسيح لنا في البرية، فماذا يعوزنا بعد؟!
فايز فؤاد